الدكتور رافت البابلي التنمية البشرية علم النفس استشارات نفسية

من نحن

الدكتور رافت البابلي . تطوير علم النفس الاكلينيكي


مقدمة عن تطور علم النفس الإكلينيكي (محاضرة الدكتور رافت البابلي . اخصائي نفسي رئيس اكاديمية سكيلز 
يعد علم النفس الإكلينيكي من العلوم الحديثة نسبياً، وهو لا يزال في دور النمو والتطور. ولقد تأثر في نشوئه بمجالين هامين من مجالات الدراسة. المجال الأول هو دراسة الاضطرابات النفسية والعقلية والتخلف العقلي التي كانت تحظى باهتمام كثير من الأطباء الفرنسيين والألمان مثل لويس روستان، وجان شاركو، وإميل كرايبلين، وأرنست كريتشمر، وبيير جانيه وغيرهم. والمجال الثاني هو دراسة الفروق الفردية التي حظيت باهتمام فرانسيس جالتون، وجيمس ماكين كاتل، والفرد بينيه، وتيوفيل سيمون، ومن جاء بعدهم من علماء النفس الذين اهتموا ببناء الاختبارات النفسية واستخدامها في أغراض تطبيقية كثيرة.
وقد مر علم النفس الإكلينيكي في تطوره بمراحل مختلفة. فقد كان اهتمام علماء النفس الإكلينيكيين قبل الحرب العالمية الثانية مقتصراً في الأغلب على دراسة مشكلات الأطفال. وكانت وظيفتهم الرئيسية هي دراسة حالة الأطفال، وتطبيق الاختبارات النفسية عليهم لقياس قدراتهم العقلية بغرض تقديم بعض التوصيات للآباء، أو المدرسين، أو الأطباء المعالجين، أو المؤسسات المسؤولة عن الأحداث الجانحين.
وحدث تطور كبير في علم النفس الإكلينيكي أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها فقد تسببت الحرب في كثرة عدد المصابين باضطرابات نفسية، ووجد الأطباء أنهم لا يستطيعون لقلة عددهم مواجهة أعباء العلاج النفسي لهذا العدد الضخم من المصابين باضطرابات نفسية، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بعلماء النفس الإكلينيكيين والالتجاء إليهم ليساهموا في علاج المصابين باضطرابات نفسية. وهكذا بدأ علماء النفس الإكلينيكيون يهتمون بالعلاج النفسي للكبار، بعد أن كان معظم اهتمامهم مقتصراً من قبل على العلاج النفسي للأطفال.
- مفهوم علم النفس الإكلينيكي : نظرا لاختلاف وجهات النظر في مجال علم النفس فهناك اختلاف حول ماهية علم النفس الإكلينيكي:-
  "هو العلم الذي يستخدم مبادئ علم النفس ومعلوماته في تقييم سلوك الفرد وفهمه ووضع التوصيات والقيام بأنواع النشاط التي تؤدى الى تعديل السلوك وكذلك أجراء البحوث التي تؤدي الى تنظيم السلوك الفردي وتكيفه وإمكانية التنبؤ به".
  تعريف آخر "هو احد الفروع التطبيقية لعلم النفس الحديث وهو يعتمد الى حد كبير على الإفادة من المعلومات والمهارات التي أمكن تحصيلها من جميع فروع علم النفس بهدف زيادة كفاءة الخدمة الطبية النفسية التي تقدم للمرضى النفسيين في مجالات التشخيص والعلاج والتوجيه وتدابير الوقاية".
  تعريف آخر "هو ذلك الميدان من ميادين علم النفس الذي يتناول تشخيص الأمراض النفسية والعقلية واضطرابات السلوك وعلاجها وهو في سبيل تحقيق ذلك يستعين بوسائل وأدوات علمية ويتم هذا التشخيص والعلاج عادة في عيادة".
التعريف الجامع الشامل هو" الدراسة العلمية للأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية في التكيُّف مع أنفسهم وبيئتهم، وتشخيص حالاتهم وعلاجهم. ويتناول علماء النفس الإكلينيكيون السلوكيات السَّوية وغير السَّوية، ويقومون بالاختبارات النفسية وتفسيرها، ويسعون إلى تشخيص الاختلالات العقلية وعلاجها، ويعكفون على دراسة بنْية الشخصية وتطورها ويعملون على الحيلولة دون حدوث الاضطرابات الخطيرة التي تعتري الصحة العقلية.
وعلم النفس الإكلينيكي فرع علمي وتطبيقي من فروع علم النفس، بمعنى أنه يطبق النظريات التي توصلت إليها مجالات علم النفس المختلفة. فعلى سبيل المثال، يقوم علماء النفس الإكلينيكيون بتطبيق كثير من نتائج دراسة النفس غير السوية عند تشخيصهم الاختلالات العقلية وعلاجها. كما أنهم يستقون المعرفة من مجالات التعلم والدافع، والإدراك، والشخصية وعلم نفس النمو، وعلم النفس الفسيولوجي وعلم النفس الاجتماعي. ويعمل علماء النفس الإكلينيكيون في الدوائر الحكومية، والمستشفيات، والعيادات، والجامعات، والعيادات الخاصة. وأهم نشاطاتهم: 1- الاختبار والتشخيص 2- العلاج النفسي والجلسات 3- البحوث.
- مجالات علم النفس الإكلينيكي:
هناك ثلاثة مجالات رئيسية لعلم النفس الإكلينيكي هي:
أولاً- الدراسة النظرية وتشمل:
 - دراسة نظرية وتشمل: أ- نظــريــاتهــــا. ب- عوامل نمو الشخصية.
 - الأمراض النفسية والعقلية: أ- ما هو المرض العقلي؟ وما هو المرض النفسي؟ وما الفرق بينهما؟
ب- تصنيف الأمراض العقلية وتفسيراتها. ج- المرض النفسي ، أعراضه وتفسيراته.
 - اضطرابات السلوك: أ- ما هو طبيعته؟ ب- مدارس العلاج النفسي المختلفة. ج- الأسس التي تقوم عليها العملية العلاجية.
ثانيا ً- الد راسة العملية التطبيقية: ويقصد بها "الطرائق الفنية التي يستعين بها السيكولوجي الاكلينيكى في عمليات التشخيص والتوجيه والعلاج النفسى". وتتضمن الطرائق الفنية الأساليب الآتية:
 - دراسة تاريخ الحالة. 2- المقابلة الإكلينيكية. 3- الاختبارات التشخيصية.
وكلا من الجانبان النظري والعملي التطبيقي يكمل الأخر ويزيده عمقاً وقوة.
ثالثاً- العيادات النفسية : ويتضمن التنظيم القائم بها الهيئة الفنية العاملة بها إجراءات العمل، أخلاقيات العمل.
- السلوك السوي والسلوك الشاذ:
السلوك هو كل الأنشطة والفعاليات التي يقوم بها الفرد، والاضطراب النفسي هو عبارة عن مجموعة من انماط السلوك غير الملائمة او غير المتوافقة مع المحيط الذي تحدث خلاله وبسبب تعدد المعايير والنظم للحكم على السلوك بصفته سوي او شاذ نرى صعوبة تحديد السلوك الشاذ او السوي حيث ان عملية الحكم هذه قد تخضع لاعتبارات ثقافية او شخصية او إحصائية. ان من اهم مبادئ تعديل السلوك النظر للسلوك بوصفه متعلماً سواء كان سوي او شاذ والواضح بان السلوك الشاذ قد تعلم بنفس قواعد واسس التعلم الذي تم اكتساب السلوك السوي فيها ومن هنا فالنظر للسلوك الشاذ بوصفه متعلما سيسهل عملية اجراءات العلاج بالاضافة الى انه سيوجه جهود المعالج نحو اكتشاف مبادئ التعلم التي خضع لها السلوك الشاذ.
هناك من يقول بان الفرق بين السواء واللاسواء فرق في الدرجة لا النوع حيث ان السلوك الشاذ او غير المرغوب قد يحدث بتكرارات كبيرة ولمدة طويلة او انه لا يحدث نهائياً مقارنه مع السلوك السوي وهذا ما يضع السلوك ضمن السلوك الشاذ فمثلاً سلوك البكاء عند الاطفال فمن الطبيعي ان نرى طفلا يبكي ولكن اذا استمر بكاء الطفل لفترات طويلة او تكرر لمرات عديدة فان هذا السلوك (البكاء) يعتبر سلوكاً غير مرغوب يتطلب التدخل العلاجي بالاضافة الى ان البقاء بعيدا عن الاخرين قد يعتبر سلوكاً طبيعياً اذا استمر لفترات طويلة او تكرر مرات عديدة بالاضافة الى عدم ظهور سلوك الحديث مع الاخرين فان هذا السلوك يعتبر سلوكاً شاذاً بالمفهوم السلوكي ان افراد ذوو السلوك السوي تعلموا وطوروا عادة سلوكية سوية ضمن المحيط الاجتماعي بالاضافة الى قدرتهم على التعامل الفعال مع الحياة ومتطلباتها مما يعزز لديهم قدراتهم للتعامل مع الضغوطات النفسية المختلفة وهذا ما يقع ضمن اطار عام واسع يطلق عليه اسم التكيف او الصحة النفسية وبهذا يتمتع اصحاب انماط السلوك الفعال والسوي بصحة نفسية ايجابية والعكس صحيح ان المعالج السلوكي يعمل على تحديد انماط السلوك غير التكيفية ومن ثم يحاول اعادة عملية التعلم.
فالسلوك السوي هو الذي يساعد الفرد على التوافق الايجابي مع ذاته ومحيطه الاجتماعي الامر الذي يشعره بالسعادة وتحقيق الأهداف.
أما السلوك الشاذ فهو مجموعة من الانماط السلوكية او النفسية والتي تظهر لدى الفرد وترتبط بالمعاناة والضغط النفسي والعجز وتحدث خللا في جانب على الاقل من الجوانب الوظيفية الهامة للفرد.


- التمييز بين السلوك السوي والسلوك الشاذ:
بالرغم من الاختلاف القائم بين المجتمعات في الحكم على السلوك من حيث سوائه او شذوذه فانه توجد عدد من المميزات العامة التي يمكن على أساسها التمييز بين السلوك السوي والسلوك الشاذ ويمكن تلخيصها فيما يأتي:
 - يعتبر السلوك عاديا وسويا اذا جاء متفقا ومنسقا مع القيم والتقاليد والعرف والقانون السائد في المجتمع.
 - يعتبر السلوك سويا اذا كان شائقا ومتوقعا في مرحلة النمو التي يعيشها الفرد، فمثلا لجوء الطفل الصغير أحيانا الى نوبات الغضب للحصول على بعض مطالبه سلوكا عاديا ، اما اذا لجأ الشخص الكبير الى هذا السلوك للحصول على مطالبه واجبار الغير على الاستجابة لهذه المطالب فانه يعتبر سلوكا شاذا فمثلا طفل المرحلة الابتدائية لا يستطيع تركيز انتباهه على ما يقول المعلم لمدة ساعة ويعتبر هذا السلوك سلوكا عاديا سويا ذلك لان مدى الانتباه عادة ما يكون قصير عند الطفل ولكن عدم انتباه الطفل قد يعتبر سلوكا شاذا اذا لم يستطع الانتباه على شيء واحد لمدة دقائق معدودة.
 - يعتبر السلوك عاديا وسويا اذا كان هذا السلوك بناء بمعنى ان يساعد السلوك الفرد على تحقيق غاياته واهدافه ويساعده على الشعور بالسعادة الايجابية في المجتمع الذي يعيش فيه فمثلا الخوف من مواجهة خطر يهدد وجود الفرد وتعرض حياته للخطر يعتبر سلوكا عاديا فالسلوك الانفعالي (وهو الخوف في هذه الحالة ) يعتبر سلوكا بناءً لانه يحفظ حياة الفرد ويضمن له البقاء والبعد عن الاخطار ولكن الخوف يصبح سلوكا مرضيا وشاذا اذا خاف الفرد من أشياء ليس من المفروض ان يخافها.
 - يعتبر السلوك عاديا وغير شاذا اذا جاء منسقا مع جوانب السلوك الاخرى واذا كان هذا السلوك استجابة متوقعة لموقف او مثير معين فالضحك يعتبر سلوكا عاديا اذا جاء في موقف يستأهل بالضحك اما اذا ضحك الفرد دون داع فيعتبر هذا سلوكا شاذاً.

- معايير تحديد السلوك الشاذ
 ـ المعيار الإحصائي:
تذهب فكرة التوزيع الأحصائي إلى أن الطبيعة تميل بصورة عامة إلى الاعتدال والتوسط بما تنطوي عليه من الحقائق والحوادث والمظاهر الكمية، وأكثر الحالات تقع في حقل المتوسط بينما لا تقع في حقل التطرف إلا قليلاً.

 ـ المعيار الذاتي أو الفردي:
وُضِع هذا المعيار من قبل العالمان "موس وهانت" في كتابهما عن أسس علم الشذوذ النفسي، حيث يذهبان في تحليل البناء الشخصي لكل منا إلى الآراء التي نعتنقها عمن هو الشاذ ومن هو السوي، فنحن ـ كما يقولان ننظر إلى الناس ونلاحظ ظروفهم وسلوكياتهم وكثيراً ما نقول عنها أنها (سوية) لأنها تنسجم مع أفكارنا، وبأنها غير سوية (شاذة) إذا كانت لا تنسجم مع أفكارنا.
 ـ المعيار الاجتماعي:
يؤيد المعنيون بالأمور الاجتماعية اعتماد هذا المعيار من الذين ينادون بضرورة إعطاء الأسس الاجتماعية المكانة الأولى في بحث الطبيعة الإنسانية، فالمجتمع ـكما يرونه يضم مجموعة من العادات والتقاليد والأفكار التي تسود سلوك الأفراد الذين يتألف منهم، فإذا خرج الأفراد عن هذه المعايير التي تسود مجتمعهم اعتبر سلوكهم شاذاً. وهكذا يعد سلوك الأفراد المتوافقة وقيم المجتمع هو السلوك السوي، وبعكسه أي عند عدم التوافق بينهما فيعد السلوك في حينها سلوكاً شاذاً.

  المعيار التكاملي أو السريري:
يسميه البعضُ المعيار التكاملي بالسريري لأنه معيار مرن واسع، يمكننا من صياغة التفاصيل الدقيقة لتعريف الفرد المبني على معرفة خصائصه الفردية ومتطلباته الأساسية.
ويشمل هذا المعيار التكيف والتكامل والنضج وإرضاء الذات وسلامة المجتمع، ويتجاوز المعيار التكاملي حقيقة التكيف الفردي إلى الشروط الاجتماعية التي يفرضها العلم والتجربة، وكذلك فهو يحترم قيمة الفرد ويمنحه الحرية في الاختيار، وهذا المعيار لا يتفق مع ما هو شائع، بل يتفق مع المعرفة المتوفرة حول الفرد والمجتمع وحاجات الكائن البشري على مختلف المستويات العضوية والنفسية والاجتماعية